فصل: الخبر عن دولة أبي حمو الاوسط وما كان فيها من الأحداث:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن شأن السلطان أبي زيان من بعد الحصار إلى حين مهلكه:

كان من أول ما افتتح به السلطان أبو زيان أمره بعد الخروج من هون الحصار وتناوله الأعمال من يد بني مرين أن نهض من تلمسان ومعه أخوه أبو حمو آخر ذي الحجة من سنة ست وسبعمائة فقصد بلاد مغراوة وشرد من كان هنالك منهم في طاعة بني مرين واحتاز الثغور من يد عمالهم ودوخ قاصيتها ثم عقد عليها المسامح مولاه ورجع عنها فنهض إلى السرسو وكان العرب قد تملكوه أيام الحصار وغلبوا زناتة عليه من سويد والديالم ومن إليهم من بني يعقوب بن عامر فأجفلوا أمامه واتبعوا آثارهم إلى أن أوقع بهم وانكفأ راجعا ومر ببلاد بني توجين فاقتضى طاعة من كان بقي بالجبل من بني عبد القوى والحشم فأطاعوه ورياسهتم يومئذ لمحمد بن عطية الأصم من بني عبد القوي وقفل إلى تلمسان لتسعة أشهر من خروجه وقد ثقف أطراف ملكه ومسح أعطاف دولته فنظر في إصلاح قصوره ورياضه ورم ما تثلم من بلده وأصابه المرض خلال ذلك فاشتد وجعه سبعا ثم هلك أخريات شوال من سنة سبع وسبعمائة والبقاء لله وحده.

.الخبر عن محو الدعوة الحفصية من منابر تلمسان:

كانت الدعوة الحفصية بإفريقية قد انقسمت بين أعياصهم في تونس وبجاية وأعمالها وكان التخم بينهما بلد عجيسة ووشتاتة وكان الخليفة بتونس الأمير أبو حفص ابن الأمير أبي زكريا الأول منهم وله الشفوف على صاحب بجاية والثغور الغربية بالحضرة فكانت بيعة بني زيان له والدعاء على منابرهم باسمه وكانت لهم مع المولى الأمير أبي زكريا الأوسط صاحب بجاية وصلة لمكان الصهر بينهم وبينه وكانت الوحشة قد اعترضت ذلك عندما نزل عثمان بجاية كما قدمناه ثم تراجعوا إلى وصلتهم واستمروا عليها إلى أن نازل يوسف بن يعقوب تلمسان والبيعة يومئذ للخليفة بتونس السلطان أبي عصيدة بن الواثق والدعوة على منابر تلمسان باسمه وهو حاقد عليهم ولايتهم للأمير أبي زكريا الأوسط صاحب الثغر فلما نزل يوسف بن يعقوب بأعلى تلمسان وبعث عساكره في قاصية الشرق استجاش عثمان بن يغمراسن بصاحب بجاية فسرح عسكرا من الموحدين لمدافعتهم عن تلك القاصية والتقوا معهم بجبل الزاب فانكشف الموحدون بعد معترك صعب واستلحمهم بنو مرين ويسمى المعترك لهذا العهد بمرسى الرؤوس لكثرة ما تساقط في ذلك المجال من الرؤوس واستحكمت المنافرة بين يوسف بن يعقوب وصاحب بجاية فأوفد الخليفة بتونس على يوسف بن يعقوب مشيخة من الموحدين تجديدا لوصلة سلفهم مع سلفه واغراء بصاحب بجاية وعمله فجاء موقع ذلك من عثمان بن يغمراسن وأحفظه ممالأة خليفته لعدوه فعطل منابره من ذكره وأخرج قومه وإيالته عن دعوته وكان ذلك آخر المائة السابعة والله تعالى أعلم.

.الخبر عن دولة أبي حمو الاوسط وما كان فيها من الأحداث:

لما هلك الأمير أبو زيان قام بالأمر بعده أخوه أبو حمو في أخريات سنة سبع كما قدمناه وكان صارما يقظا حازما داهية قوي الشكيمة صعب العريكة شرس الاخلاق مفرط الدهاء والحدة وهو أول ملوك زناتة رتب مراسم الملك وهذب قواعده وأرهف في ذلك لأهل ملكه حده وقلب لهم مجن بأسه حتى ذلوا لعز ملكه وتأدبوا بآداب السلطان.
سمعت عريف بن يحيى أمير سوبد من زغبة وشيخ المجالس الملوكية يقول ويعنيه: موسى بن عثمان هو معلم السياسة الملوكية لزناتة وإنما كانوا رؤساء بادية حتى قام فيهم موسى بن عثمان فحد حدودها وهذب مراسمها ونقل عنه ذلك أمثاله وأنظاره فتقبلوا مذهبه واقتدوا بتعليمه انتهى كلامه.
ولما استقل بالأمر افتتح شأنه بعقد السلم مع سلطان بني مرين لأول دولته فأوفد كبراء دولته على السلطان أبي ثابت وعقد له السلم كما رضي ثم صرف وجهه إلى بني توجين ومغراوة فردد إليهم العساكر حتى دوخ بلادهم وذلل صعابهم وشرد محمد بن عطية الأصم عن نواحي وانشريس وراشد بن محمد عن نواحي شلف وكان قد لحق بها بعد مهلك يوسف بن يعقوب فأزاحه عنها واستولى على العملين واستعمل عليهما وقفل إلى تلمسان ثم خرج سنة عشر وسبعمائة في عساكره إلى بلاد بني توجين ونزل تافركينت وسط بلادهم فشرد الفل من أعقاب محمد بن عبد القوي عن وانشريس واحتاز رياستهم في بني توجين دونهم وأدام منهم بالحشم وبني تيغزين وعقد لكبيرهم يحيى بن عطية على رياسة قومه في جبل وانشريس وعقد ليوسف بن حسن من أولاد عزيز على المدية وأعمالها وعقد لسعد من بني سلامة على قومه من بنى يد لتين إحدى بطون بني توجين وأهل الناحية الغربية من عملهم وأخذ من سائر بطون بني توجين الرهن على الطاعة والجباية واستعمال عليهم جميعا من صنائعه قائده يوسف بن حيون الهواري وأذن له في اتخاذ الآلة وعقد لمولاه مسامح على بلاد مغراوة وأذن له أيضا في اتخاذ الآلة وعقد لمحمد بن عمه يوسف على مليانة وأنزله بها وقفل إلى تلمسان والله أعلم.

.الخبر عن استنزال زيرم بن حماد من ثغر برشك وما كان قبله:

كان هذا الغمر من مشيخة هذا القصر لوفور عشيرته من مكلاته داخله وخارجه واسمه زيري بالياء فتصرفت فيه العامة وصار زيرم بالميم ولما غلب يغمراسن على بلاد مغراوة دخل أهل هذا القصر في طاعته حتى إذا هلك حدثت هذا الغمر نفسه بالانتزاء والاستبداد بملك برشك ما بين مغراوة وبني عبد الواد ومدافعة بعضهم ببعض فاعتزم على ذلك وأمضاه وضبط يرشك لنفسه سنة ثلاث وثمانين وستمائة ونهض إليه عثمان بن يغمراسن سنة أربع وثمانين وستمائة بعدها ونازله فامتنع ثم زحف سنة ثلاث وتسعين إلى مغراوة فلجأ ثابت ين منديل إلى برشك وحاصره عثمان بها أربعين يوما ثم ركب البحر إلى المغرب كما قلناه وأخذ زيرى بعدها بطاعة عثمان بن يغمراسن دافعه بها وانتقض عليه مرجعه إلى تلمسان وشغل بنو زيان بعدها بما دهمهم من شأن الحصار فاستبد زيري هذا ببرشك واستفحل شأنه بها واتقى بني مرين عند غلبهم كل بلاد مغراوة وتردد عساكرهم فيها بإخلاص الطاعة والانقياد فلما انقشع إيالة بني مرين بمهلك يوسف بن يعقوب وخرج بنو يغمراسن من الحصار رجع إلى ديدنه من التمريض في الطاعة ومناولة طرفها على البعد حتى إذا غلب أبو حمو على بلاد مغراوة وتجاوزت طاعته هذا المصر إلى ما وراءه خشيه زيري على نفسه وخطب منه الأمان على أن ينزل له عن المصر فبعث إليه رئيس الفتيا بدولته أبا زيد عبد الرحمن بن محمد الإمام كان أبوه من أهل برشك وكان زيري قد قتله لأول ثورته غيلة وفر ابنه عيد الرحمن هذا وأخوه عيسى ولحقا بتونس فقرا بها ورجعا إلى الجزائر فأوطناها ثم انتقلا إلى مليانة واستعملهما بنو مرين في خطة القضاء بمليانة ثم وفدا بعد مهلك يوسف بن يعقوب على أبي زيان وأبي حمو مع عمال بني مرين وقوادهم بمليانة وكان فيهم منديل بن محمد الكناني صاحب أشغالهم المذكور في أخبارهم وكانا يقرآن ولده محمدا فأشادا عند أبي زيان وأبي حمو بمكانهما من العلم ووقع ذلك من أبي حمو أبلغ المواقع حتى إذا استقل بالأمر ابتنى المدرسة بناحية المطهر من تلمسان لطلبة العلم وابتنى لهما دارين على جانبيها وجعل لهما التدريس فيها في إيوانين معدين لذلك واختصهما بالفتيا والشورى فكانت لهما في دولته قدم علية فلما خطب زيري هذا الأمان من أبي حمو وأن يبعث إليه من يأمن معه في الوصول إلى بابه بعث إليه أبا زيد عبد الرحمن الأكبر منهما فنهض لذلك بعد أن استأذنه في أن يثأر منه بأبيه إن قدر عليه فأذن له فلما احتل ببرشك أقام بها أياما يغاديه فيها زيري ويراوحه بمكان نزله وهو يعمل الحيلة في اغتياله حتى إذا أمكنته فقتله في بعض تلك الأيام سنة ثمان وسبعمائة وصار أمر برشك إلى السلطان أبي حمو وانمحى منه أثر المشيخة والاستبداد والأمور بيد الله سبحانه.